بمناسبة إعادة ترميم مسجد الطنبغا المارداني يرصد موقع بالعربي رحلة هذا المسجد منذ إنشائه حتى يومنا هذا في هذا المقال، وقد استمرت أعمال الترميم لمدة ست سنوات منذ ٢٠١٨م وتم الانتهاء من المرحلة الأولى للترميم عام ٢٠٢١م، وتم ذلك الترميم في إطار تطوير مساجد وآثار القاهرة الإسلامية ويتم تمويل المشروع بمنحة من الاتحاد الأوروبي، تحت عنوان ” الوصول إلى التراث الثقافي الإسلامي للقاهرة”.
حياة “الماريداني”
في حي الدرب الأحمر وبالقرب من باب زويلة تم إنشاء مسجد الطنبغا المارداني في وقت حكم المماليك لمصر، وبالتحديد في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، كانت المنطقة في البداية عبارة عن مدافن للموتىٰ، والطنبغا المارداني هو أحد مماليك السلطان الناصر محمد بن قلاوون واسمه الطنبغا عبد الله المارداني الساقي؛ لأنه كان يعمل ساقيا للسلطان الناصر.
وقد اشتراه السلطان صغيرا وقيل في وصف المارداني: كان شابا وسيما طويل القامة عطوفا كريما، وتقرب المارداني من السلطان فأحبه وبادله بالمعاملة الطيبة وعينه حاملاً للكأس، حتى أنه زوجه ابنته، ورقاه السلطان خلال فترة وجيزة حتى صار رئيس “الطلبخانة” وهي الموسيقى العسكرية.
لكن بعد وفاة السلطان الناصر تغيرت الأحوال فقد قام السلطان المنصور أبو بكر ولد السلطان الناصر والذي خلفه في حكمه بسجن المارداني في عام(١٣٤١م)، (٧٤٣هـ)، لكنه لم يقضي فترة طويلة في حبسه فقد قام السلطان الأشرف كجك شقيق السلطان المنصور بإطلاق سراحه بعد أن قام بعزل أخيه “المنصور “في نفس العام الذي تولى فيه “المنصور” الحكم.
وأثناء حكم الصالح إسماعيل أُرسِل “المارداني” نائبا للسلطان إلى “حماة”وأقام بها شهرين، ونُقِل بعدها إلى نيابة “حلب” في شهر رجب ٧٤٣هـ، وأقام هناك حتى توفي في أول صفر من العام التالي ٧٤٤هـ، ١٣٤٣هـ.
سبب بناء المسجد
يروى أن السلطان الناصر محمد بن قلاوون مَرِضَ مرضا شديدا، وتولى مملوكه “الطنبغا المارداني” رعايته أثناء المرض، وعندما عادت له عافيته قرر مكافأته فساعده في بناء المسجد ناحية ربع الأمير طغجي، وأعطاه كمية كبيرة من الخشب والرخام للبناء، وتم أخذ أعمدة جرانيت من مسجد رشيدة الفاطمي.
وقد روي أيضا أنه كان غرض “المارداني” من بناء المسجد أن يبني أثرا كي لا ينساه الناس حيث كان يعاني من مرض خطير قد يسبب له الموت.
عمارة المسجد
وبرعاية كبيرة من السلطان الناصر، وتبرعات عديدة من الماريداني تم بناء المسجد على غرار مسجد الناصر الذي خطط على شكل أعمدة بداخله، وتميز المسجد بقبة كبيرة بثمانية أعمدة من الجرانيت، ويتميز أيضا بأول مئذنة مثمنة في المعمار المملوكي، يوجد في المنتصف نافورة أو فوارة الوضوء بصحن المسجد مثمنة الأضلاع، وتحيط بالصحن أربعة أروقة، أكبر رواق فيها الذي يأخد اتجاه قبلة الصلاة.
والرخام الجميل يغطي واجهة الرواق في الجانب الشمالي، وقد نُقِش على الرخام تاريخ إنشاء المسجد، وقد بلغ إجمالي ما أنفق “المارداني” على المسجد ثلاثمائة ألف درهم، وقام “المارداني” بتعيين المعلم ابن السيوفي (رئيس المهندسين وقتها ) مهندسا للمسجد.
ولمسجد “المارداني” ثلاثة أبواب، أما الباب الرئيسي يقع في الجهة البحرية، والباب الغربي الذي يحمل مقرنصات منقوشة ومخطوطة، ويتميز إيوان القبلة بالعناصر المعمارية الدقيقة والزخارف، حيث يتكون المسجد من أربعة إيوانات تحيط بالصحن.
حتى أن أسقف المسجد والمنبر تحتوي على نماذج مذهبة ومزخرفة، وساحة المسجد كانت قديما عبارة عن حديقة بها النافورة الخشبية في الوسط، ويبدأ المسجد من منطقة حديقة الأزهر وينتهي عند شارع الخيامية جنوب باب زويلة.
يعد محراب المسجد من المحاريب النادرة فجدرانه مكسوة بالرخام الدقيق والصدف، ومنبره مطعم بالعاج كما أن الحجاب الخشبي للمسجد من أهم وأقدم الأحجبة الخشبية في العمارة الإسلامية.
يستقر أحد أعمدة المسجد على قاعدة تعود إلى العصر الفرعوني، كما أن الأعمدة نفسها تعود إلى العصر اليوناني الروماني، بما يعكس انفتاح الحضارة والعمارة الإسلامية على باقي الثقافات.
قام المارداني ببنائه ما بين العام) ٧٣٩هـ- ١٣٣٩م )والعام (٧٤٠هـ- ١٣٤٠هـ)، وكان وقتها من أفخم المساجد المزخرفة في القاهرة وأحدث نقلة في المعمار المملوكي آنذاك.
المسجد تم إعادة افتتاحه رسميا بعد الانتهاء من أعمال ترميمه كافة الأسبوع الماضي، ليكون مفتوحا للمصلين والزائرين، وقد تم ترميم ثلاثة أروقة بالمسجد وأيضا صحن المسجد في المرحلة الثانية، وتم إضافة أحواض للنباتات وتم ترميم الأرضيات بالصحن والأروقة ، وتم اكتشاف صهريج أثري بصحن المسجد بالقرب من مكان الوضوء.