تعد ظاهرة تأثير مانديلا من الظواهر الغريبة التي تحدث في ذاكرة العقل البشري، فمن الطبيعي أن شخصا تخونه ذاكرته وتُوصِل إليه ذكريات مختلقة لم تحدث على أرض الواقع أو حدثت بشكل مختلف عن الحدث الحقيقي في الواقع، أو ينسى الشخص أو الجماعة أحداثا وقعت في الماضي بفعل مرور الزمن أو اختلاط الذكريات.
لكن من الغريب أن تجد مجموعة كبيرة من البشر تتفق على ذكريات مخزونة داخل عقلها لأمور لم تحدث فعلا أو حدثت بشكل معاكس، تلك هي ظاهرة “تأثير مانديلا” التي تتعلق بالذاكرة الجماعية الخاطئة التي نتحدث عن تفاصيلها وسبب تسميتها بذلك وأمثلة لها في هذا المقال.
سبب التسمية
يعود سبب تسمية هذه الظاهرة بهذا الاسم إلى الباحثة “فيونا بروم” التي أطلقت هذا المصطلح عام ٢٠١٠م، وذلك عندما قالت إنها سمعت في إحدى المؤتمرات التي كانت تحضرها ذكريات مخلوطة من جماعة من الناس تتعلق بالمناضل والرئيس الأفريقي الجنوبي “نيلسون مانديلا”.
حيث أكد مجموعة غير قليلة ممن حضروا المؤتمر أنهم كانوا يعتقدون وفاة “نيلسون مانديلا” وهو في محبسه في الثمانينيات من القرن الماضي، وأكدوا أيضا أنهم شاهدوا جنازته وأنها أُذيعت بالتلفاز رغم أنهم لم يصرحوا بذلك وقتها، مع أن هذا لم يحدث في الحقيقة فقد خرج “مانديلا” من السجن في عام ١٩٩٠م، واختير بالانتخاب رئيسا لجنوب أفريقيا عام ١٩٩٤م، وكان على قيد الحياة وقت شيوع هذه الذكريات فقد توفي بعدها عام ٢٠١٣م عن عمر ناهز ٩٥ عاما.
وأكدوا أنهم اندهشوا بشدة وقت الإفراج عنه ولكن لم يصرحوا بذلك خوفا ممن قد يتهمهم بالخَرَف أو يشكك في سلامة قواهم العقلية، وأكدت “فيونا” أنها قد كان لديها نفس هذه الذكريات ولكن تعجبت من وجودها عند هذا الكم من الناس.
بل أكدت “فيونا” نفسها أن شاهدت خطابا لأرملته على شاشة التلفاز يوم وفاته، وصرح كل من لديهم هذه الذكريات أن شاهدوا الخُطبة أيضا، فكيف اتفق كل هؤلاء على هذه الأحداث التي لا تمت للواقع بصلة ؟ مما أثار الغموض والتساؤل في وجود هذه الظاهرة لدى أشخاص عدة وبذكريات متنوعة لا يربطهم أي صلة اجتماعية وأطلق عليها ” تأثير مانديلا” بسبب هذا الموقف.
إذن هذ الظاهرة تعني “استدعاء ذكريات مغلوطة لدى الآلاف وربما الملايين من الناس غير مرتبطين ببعض واتفاقهم حتى على تفاصيلها”، ومن وقتها تعددت الأبحاث والدراسات حول سبب هذه الظاهرة وكيفية التخلص منها لما فيها من مخاوف حول مدى ثقة البشر في ذاكرتهم وعلاقتها بالخَرَف والزهايمر حيث ظهر ذلك عند نسبة كبيرة من الشباب وليس فقط كبار السن.
أسباب هذه الظاهرة
ومن تلك الأسباب تضخم الخيال أو المصدر المغلوط للحدث أو قدرة المخ على خلق ذكريات تسد الفجوات المعلوماتية الخاصة بحدث معين وترى هذه الذكريات منطقية ومناسبة للحدث، فمثلا وفاة “نيلسون مانديلا” في محبسه نهاية منطقية يقبلها العقل أو نجاح شخص مجتهد في عمل ما نهاية أيضا منطقية يصدقها العقل حتى وإن لم تصادف الواقع.
لكن أشهر الأسباب التي طرحت حول ظاهرة” تأثير مانديلا” هي نظرية “الأكوان الموازية” وهي فكرة وجود عالم بديل موازي للعالم الذي نعيش فيه قد حدثت فيها الذكريات المغلوطة وبسبب خلل ما في المنظومة حدث خلط بين العوالم واستدعى هؤلاء الأشخاص هذه الذكريات، وقد أكد أصحاب النظرية أن هذا يحدث مثلا في المنام عندما ترى أحداثا وأشخاصا غير موجودين على أرض الواقع أو لا علاقة لك بهم، فمن خلال هذه النظرية يعتبر “نيلسون مانديلا” توفي بالفعل في الثمانينيات وليس في الألفية الجديدة ولكن في عالم آخر.
تعددت الأمثلة لهذه الظاهرة وربما تجد أنت أيضا نفس أعراضها من خلال الأمثلة التالية:
شيكولاتة kitkat
يعتقد بعض الناس أنه يوجد خط صغير في شعار شيكولاتة “kitkat” وأن الكلمة مقسومة إلى جزئين، رغم أن الحقيقة أن الشعار كان وما زال عبارة عن كلمة واحدة دون فواصل.
شركة seven up
كان يعتقد بعض الناس أن شركة “seven up” للمشروبات الغازية عبارة عن رقم (7) وكلمة (up) وبينهما خط صغير، لكن الحقيقة غير ذلك فلم تضع الشركة منذ نشأتها الخط الصغير على زجاجاتها الغازية ذات اللون الأخضر وقد وضعت كرة حمراء فقط بين الرقم والكلمة.
Looney tunes
رغم شهرة كارتون “looney tunes” إلا أن بعض المتابعين يعتقد أن الكارتون اسمه “looney toons” بل ويتفق مجموعة كبيرة من الناس على ذلك.
تاج محل
أغلب من سُئِلَ من محبي مسجد “تاج محل” بالهند الذي بناه صاحبه تخليدا لذكرى زوجته” محل” التي دُفِنَت به ودُفِنَ معها بعد ذلك، سئلوا عن مآذنته وواجهته فأجابوا أنهما مطعمتان باللون الذهبي رغم أنهما من البداية مصنوعتان من الرخام الأبيض.
وفاة المشير
في عام ٢٠٢١م عندما توفي المشير “محمد حسين طنطاوي” أصاب بعض الناس صدمة حيث إنهم كانوا يعتقدون أنه ليس على قيد الحياة وأنهم يتذكرون يوم وفاته جيدا، رغم أنه لم توجد شائعات حول وفاته، ويذكر أن ظاهرة ” تأثير مانديلا” لا تعتمد على مصدر من الأساس كالشائعات التي يكون وراءها شخص يثيرها بين العامة.
مقتل الرئيس كينيدي
هل تذكر أن كم عدد المقاعد في سيارة الرئيس الأمريكي “جون كينيدي” يوم مقتله، وهي حادثة شهيرة أذيعت على الهواء مباشرة؟ ورغم شهرة الحادث إلا أن أكثر المتابعين أكد أنها أربعة مقاعد في حين أن عددها ستة مقاعد يجلس عليه ستة أشخاص من الرئيس الراحل وزوجته، فكيف اتفقوا على هذه المعلومة رغم أنها مؤكدة لديهم من خلال مشاهدتها على الهواء مباشرة.
حملات ميكي ماوس
يتذكر بعض متابعي Mickey mouse أنه كان يرتدي حمالات لسرواله لكن الحقيقة أنه لم يرتديها أبدا، فمن أين جاءت هذه المعلومة واشترك فيها الملايين من المتابعين رغم أنها معلومة واضحة جدا؟
جائزة الأوسكار
عندما حصل الممثل الأمريكي “ليوناردو دي كابريو” على جائزة الأوسكار في عام ٢٠١٦م كأفضل ممثل، اندهش كثير من الناس الذين كانوا يعتقدون أنه حصل عليها في بداية مشواره عام ١٩٩٧م عن دوره في فيلم “titanic” وليس عن دوره في فيلم “the revenant”.
فيلم ابن حميدو
يتفق جميع مشاهدي فيلم “ابن حميدو” بأن عبد الفتاح القصري أو “الريس حنفي”(اسم الشخصية في الفيلم) قال جملة” الباز أفندي دا راجل أنا ذات نفسي استمناه” رغم أنها في الحقيقة” الباز أفندي دا راجل أنا نفسي أتمناه”، فمن أين أتى الجمهور بهذه الإضافات وكيف اتفق عليها؟
مونوبولي
شخصية “بيني باغز ” الرجل الثري الكبير في السن في لعبة “مونوبولي” الشهيرة كانت بلا نظارة رغم أن كثير من الناس يعتقد أنه يرتدي نظارة لعين واحدة فقط، كيف يتفق الناس على معلومة مغلوطة في لعبة شهيرة لديهم؟
لوحة الموناليزا
اللوحة الشهيرة التي تسمى ” الموناليزا ” والتي تنسب إلى الفنان الرسام الفرنسي” دافنشي”، يعتقد بعض أصحاب “تأثير مانديلا ” أن الشخصية التي رسمها “دافنشي” في اللوحة (وهي زوجة صديقه) لم تكن مبتسمة على الإطلاق في حين أن الجميع يلاحظ أنها في اللوحة لديها ابتسامة صغيرة وباهتة تكاد لا تظهر، فكيف اختلفت ذاكرتهم عن الحقيقة واجتمعوا عليها؟
جبنة” لافاشكيري” أو” البقرة الضاحكة ”
يعتقد بعض الناس أن البقرة الضاحكة على علبة جبنة “لافشكيري” تحمل قرطا ذهبيا في أنفيها موصولا ببعضه، لكن الحقيقة أنه لم يتم ارتداء ذلك القرط في الشعار أو حتى في أي إعلان.
ذيل القرد
يعتقد بعض متابعي القرد “جورج” أن لديه ذيل يتنقل به بين الأشجار لكن الحقيقة خلاف ذلك، فلم يكن لديه ذيل من الأساس، تُرَى ما هو مصدر هذا الذيل وكيف اتفق عليه متابعي الكارتون؟
تمثال توت عنخ آمون
أغلب المتأثرين بـ “تأثير مانديلا ” و منهم من درس التاريخ يعتقد أن” توت عنخ آمون “يحمل على جبهته أفعى الكوبرا المقدسة فحسب، رغم أن الحقيقة أنه يوجد نسر بجانب الأفعى.
زبدة “jif”
زبدة الفول السوداني الشهيرة (jif )عند كثير من أصحاب “تأثير مانديلا” تسمى( jiffy ) رغم أنه لم يطلق عليها هذا الاسم أبدا بإضافة (fy) للكلمة.
فيلم الغول
“لما الناس بتموت الحياة بتستمر، بس لما الناس بتبعد الحياة بتقف.. غريب إن الموت أرحم من البعد؟ يمكن لأن الموت حاسم والبعد فيه احتمالات” من أشهر الجمل التي نُسِبَت للفنان “عادل إمام ” بأنه قالها في فيلم “الغول” وهو يتحدث مع بطلة الفيلم “نيلي”، لكنك لو شاهدت الفيلم لن تجد هذه الجملة، الغريب أن الكل اتفق على وجود الجملة في الفيلم رغم مشاهدة الفيلم بأكمله.
كارتون بوكيمون
وجد كثير من متابعين كارتون ” بوكيمون” يؤكد على أن شخصية ” بيكاتشو” في الكارتون لديها ذيل أصفر ملون بالأسود في طرفه، رغم أنه في الحقيقة هو ذيل أصفر فحسب.
ورغم كل هذه الدراسات لم يجد أحد علاجا لهذه الظاهرة سوى أن على الإنسان عدم الاعتماد على ذاكرته في المطلق، والاستعانة بالمصادر الموثوقة والشهود في أي حدث وتوثيق المعلومات المهمة وتسجيلها.