يعد قصر عائشة فهمي من القصور التاريخية التي شهدت كثيرا من القصص، القصر الذي يطل على كورنيش النيل بحي الزمالك الراقي بالعاصمة القاهرة يتميز بشرفاته الوردية وطرازه الأوروبي، في هذا المقال هيا لنتعرف على لمحة بسيطة عن هذا القصر.
مالك القصر
المالك الأول والأصلي للقصر علي باشا فهمي، من أهم أثرياء مصر في ذلك الوقت وكان كبير ياوران الملك فؤاد الأول، ومعنى كلمة “ياوران” هو كبير حراس الملك أو الأمير والمسؤول عن مرافقة الرئيس في كل المناسبات داخل وخارج البلاد والإشراف على كل المراسم العسكرية برئاسة الجمهورية، وكان غرضه من القصر أن يسكن فيه ويكون على ضفاف نهر النيل بمنطقة الزمالك،ففي عام ١٩٠٧م طلب علي باشا من المهندس الأيطالي ومهندس العائلة الملكية انطونيو لاشاك ببناء القصر.
المهندس انطونيو لاشاك هو كبير مهندسي العائلة الملكية، ومدير القصور الخديوية وقد أنشأ كثيرا منها، مثل قصر ” الطاهرة” وقصر”الأميرة فاطمة”، وقصر ” الزعفران”.
تفاصيل القصر
وقد جلب علي باشا فهمي للقصر حجرة النوم الخاصة بملك الصرب، وعدة تحف عديدة نحو العالم، وكان يهدف للعيش فيه مع زوجته مستقبلاً، وكان بالقصر أثاث مستورد من أوروبا، وبه طباخ سويسري وبواب سوداني وخادمات فرنسيات، وخدم إيطاليون.
الأمير البرنس
كان “فهمي” باشا والد “علي” قد تزوج من منيرة هانم، وأنجب منها أربع فتيات وولد وحيد هو “علي”، والبنات هن عائشة وفاطمة وعزيزة وزينب، و” عائشة” التي صار القصر باسمها لاحقاً، ولأن علي باشا فهمي هو الذكر الوحيد في أبناء الباشا فقد عاش حياة مرفهة وثراء واسع وأطلق عليه ” البرنس”، وكان يملك بعد وفاة والده ١١٧٥٠ فدانا من الأراضي الزراعية.
حادثة لندن
تزوج علي باشا فهمي من امرأة فرنسية تدعى ” مارغريت ميللر” كان يقع في حبها، وترك كل شيء بالقاهرة وذهب إليها في باريس وتزوج منها هناك، لكنها كانت تعيش حياة منفتحة للغاية لا تتناسب مع تربية وفكر “علي باشا فهمي”، وكان دائم الغيرة عليها.
ومن زيادة غيرتها عليها واجهها في إحدى الليالي ( وهما مقيمان بفندق سافوي بالعاصمة لندن) بالشكوك التي لديه تجاهها من خيانتها له، واشتد الحوار بينهما حتى أمسكت زوجته المسدس وأطلقت ثلاث رصاصات على رأسه، أودت بحياته على الفور، بعد أشهر قليلة من الزواج.
ودافع عنها في بقلب لندن المحامي السير مارشال مول الإنجليزي، لكن مع كل ذلك من ثبوت الأدلة الجنائية تجاهها لم يحكم القضاء عليها بأي حكم وأفرج عنها، وبسبب الدفاع الذي أوهم القضاء أن زوجها لا يتفهم الحياة الأوربية وأنه متخلف ولديه تزمت شرقي لتصبح القضية صراعاً بين الشرق والغرب، ومن ثمَّ تحولت هذه القضية مثار حديث الشرق والغرب.
القصر ملك لعائشة فهمي
كانت هذه الحادثة سببا في تحول ملكية القصر شقيقات علي باشا فهمي الأربعة الذي لم يسكن فيه صاحبه يوما واحداً، وقامت شقيقته عائشة فهمي بشراء نصيب شقيقاتها، ودفعت مبلغ كبير في وقتنا وهو ٧٢ ألف جنيه وأصبح القصر ملكا لها في عام ١٩٢٤م.
حياة عائشة فهمي ويوسف بك وهبي
كانت حياة “عائشة فهمي” تعيسة مثل شقيقها “علي باشا “، فلقد تزوجت ثلاث مرات وانتهى جميعها بالطلاق، وهي مع ذلك أم تنجب في أي زواج لها، ولم تجد السعادة بسبب مشاكل الزواج في كل منها.
لعل أشهر زيجاتها هو زواجها من الفنان ورائد المسرح العربي” يوسف بك وهبي”، الذي عاش معها في قصرها بالزمالك، وكان سبب الطلاق هو استخدامه لقصة مقتل نسيبه” علي باشا فهمي” في فيلمه ” أولاد الذوات” الذي أنتج عام ١٩٣٢م وكان أول فيلم ناطق في مصر، ونجح الفيلم نجاحا كبيرا بسبب شهرة القضية، مما أثار الغضب لدى زوجته عائشة فهمي وأدى إلى الخلاف بينهما الذي انتهى بالطلاق.
وكان يوسف بك وهبي هو الزوج الثاني لعائشة فهمي، وكان زوجها طبيب أمراض النساء والتوليد أحمد سعيد، وزوجها الثالث هو أحمد فتحي عضو مجلس الشعب وقتها، كانت عائشة عضوة بجمعية الهلال الأحمر المصري، وكانت تربطها علاقة وطيدة بـ ” هدى شعراوي”، وكان لها مشاركة واسعة في المحال الاجتماعي، وتوفيت عائشة فهمي عام ١٩٦٢م.
تحولات القصر
ثم آلت ملكية القصر إلى شقيقتي عائشة فهمي فاطمة وعزيزة، ثم صدر قرار بتحويل ملكية القصر إلى المؤسسة المصرية العامة الفنادق “إيجوث”، وفي عام ١٩٧٤م صدر قرار جمهوري بـ “نزع ملكية القصر” وتحويله إلى متحف لعرض مجوهرات أسرة محمد علي باشا.
وتم تخصيص القصر ليكون مقرا لواحد من الجمعيات الاجتماعية، لكن الرئيس “السادات” أصدر قراراً بمنحه لـ “ثروت أباظة” رئيس اتحاد الكُتَّاب، لجعله مقرا لرابطة الأدباء، وفي عام ١٩٧١م تحول القصر إلى مخزن لوزارة الإعلام، وتم تحويله إلى مجمع للفنون من قِبل وزارة الثقافة وتم فتحه للزوار مجاناً.
يتكون القصر من حديقة تطل على النيل وطابقين، ويضم زخارف بديعة على الجدران والأسقفة، وتبلغ مساحته ٢٧٠٠ متر مربع، ولفرط جماله ولأنه يطل على كورنيش النيل سمي بـ ” قصر الخلد”. ويوجد في الطابق الأول غرف لعرض لوحات الفن التشكيلي، وفي الطابق الثاني يوجد غرف ذات طابع أثري.