بمجرد أن يذكر شجر الزيتون تذكر أرض فلسطين، فهو المحصول الزراعي الرئيسي في الأراضي المحتلة، ويمثل ٥٧٪ من الأراضي الزراعية هناك أي يتجاوز نصف مساحة الأرض الزراعية وأكثر من نصف المحاصيل، نبات واحد يستحوذ على أغلب العائد الزراعي، وفي هذا دلالة كبيرة على أهمية أشجار الزيتون ورمزية هذا النبات في الأراضي الفلسطينية، في هذا المقال نحاول سرد كل ما يخص هذا شجر الزيتون وعلاقته بجذور فلسطين.
قداسة الزيتون
بدأ زراعة شجر الزيتون بالمنطقة منذ آلاف السنين حيث تم العثور على بقايا من بساتين الزيتون عائدة إلى العصر النحاسي بين ٣٦٠٠ قبل الميلاد و٣٣٠٠ قبل الميلاد، والزيتون قديم قدم الخلق، والأرض الفلسطينية قديمة قدم الزيتون، وللزيتون أهمية في كل الديانات السماوية اليهودية والمسيحية والإسلامية، فهو في الكتب العبرية رمزا للرقي والازدهار، وبركة أرض الميعاد، واستخدم كدهان في بعض الطقوس الدينية في المسيحية، كما أنه كما نعلم علاج للأمراض في دين الإسلام وقد أقسم المولى عز وجل به في بداية سورة التين قال تعالي” والتين والزيتون “، وقال تعالى “وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصِبغٍ للأكلين”، قال النبي صلى الله عليه وسلم “كلوا الزيت وادهنوا به فإنه شجرة مباركة”.
رمزية الزيتون
رمزية شجرة الزيتون بالنسبة لفلسطين تتمثل في بطيء نموها وطول عمرها، فكانت رمزا للقومية الفلسطينية، ولعل هذا سبب في سعي المحتل الإسرائيلي في تدمير أشجار الزيتون في القطاع، والزيتون متصل ومرتبط بالأرض وبزواله يضيع الدليل على أحقية الأرض لأصحابها، وهذا ما أكده الشاعر الفلسطيني محمود درويش حينما قال “لو يذكر الزيتون غارسه لصار الزيت دمعا”.
حصاد الزيتون
تبدأ العائلات حصاد وقطف الزيتون من منتصف سبتمبر ولمدة شهرين متواصلين، ويشارك جميع أفراد العائلة في قطف الزيتون حتى النساء والاطفال، وتقوم النساء بإحضار أطعمة جاهزة ومعلبة كي لا تنشغل عن قطف الزيتون، ووزارة التعليم والجامعات تمنح إجازة بمناسبة موسم حصاد الزيتون، ويتبع موسم الحصاد احتفالات الأسر بجمع الزيتون من خلال موسيقى شعبية فلكلورية فلسطينية.
رعاية الزيتون
كان يعمل في هذا المجال نحو مائة ألف أسرة فلسطينية، ويبلغ متوسط إنتاج كل سنة ٢١ ألف طن، وتقوم الأسر بتطعيم أشجار الزيتون بالقلم كي ينتج أصنافا جيدة، ويتم إزالة الأغصان الجافة وحرث الأرض من جديد كي تظل الشجرة شابة لا تشيخ مهما مر عليها الزمن، هذا وكلما كانت شجرة الزيتون قديمة كلما كان الزيت المستخرج منها أفضل، ويتم إنتاج الزيتون عندما تكون الشجرة في سن خمس أو ست سنوات من نموها، وتستمر سنوات كثيرة حتى أنه بعض الأشجار الكبيرة من الزيتون بلغ عمر ١٨٠٠ سنة وما زالت تنتج براعم.
رائحة الزيتون
وأثناء عملية حصاد الزيتون، تنتشر رائحته في المكان وتنتشر رائحة الزيت، قبل دخول البستان تصل الرائحة وتسبق رؤية الزيتون، وكأنها رائحة فلسطين التي تنبعث من ذاكرة كل مواطن فلسطيني وتبقى داخله بقاء المكان، فالذاكرة تحفظ الرائحة مثل حفظ كل فلسطيني لصك منزله ومفتاح بيته الذي هُجِرَ منه خلال نكبة ١٩٤٨م.
معاصر الزيتون
ويظل الفلسطينيون يفتخرون بإنتاجهم لزيت الزيتون، ويحتفظون به كل عام، وتختلف طريقة حفظ زيت الزيتون في عائلة فلسطينية عن عائلة أخرى، فهم يزرعون الزيتون ويحصدونه ويعصرونه لاستخراج الزيت، بعد عناء جني الثمار يصطفون في المعصرة حاملين محصولهم السنوي فتتجدد فيهم الحياة وتظهر الفرحة على أسارير وجوههم كبارا وصغارا، فبعد عملية هرس الزيتون يوضع في صحن مثقوب في المنتصف دائريا ويوضع بالثقب المكبس، ويبدأ الضغط ويعصر السائل ويفصل الزيت الصافي عن مكونات السائل، ويعد الزيت المستخرج من الزيتون مكونا أساسيا في كل وجباتهم، لأنهم يعتقدون أن الزيت يقوي الذاكرة، فذاكرة الفلسطيني لا تنسي ملكيتها للأرض بفضل الزيتون.
الزيتون والحرب
في كل عام قبل أحداث السابع من أكتوبر يحاول الاحتلال بقواته ومن خلال المستوطنين تعكير فرحة الفلسطينين بجمع ثمار الزيتون وعصرها، فيقومون بحرق الأشجار أو حرق المحصول أو منعهم من الذهاب إلى المعاصر، فيلجأ المزارعين إلى تهريب الزيتون بعيدا عن أعين قوات الجيش الإسرائيلي، وقد يقع المزارع في فخ أو كمين عسكري، أو يسير بطريق وعر قد يؤدي إلى حتفه.
ليس هذا فحسب بل يحاول الاحتلال قلع جذور شجر الزيتون من حقولها أو تجريف الأرض أو حتى إزالة أشتال الأشجار، يرى الاحتلال أن الزيتون عدو مباشر مثل أصحاب المكان ومثل الأرض والحجر.
أقدم شجرة
وبعد محاولات الجيش الإسرائيلي لإزالة أشجار الزيتون حتى عام ٢٠٢٢م، يوجد في مدينة بيت لحم يوجد أكبر وأقدم شجرة زيتون فلسطينية حيث يبلغ عمرها خمسة آلاف سنة وتمتد جذورها إلى ما يقارب ٢٥ متر تحت الأرض، وتعود ملكية هذه الشجرة لعائلة أبو علي في منطقة وادي جويزة.
الزيتون هو أمان الفلسطيني بوجوده تدوم الأرض ساكنيها، فترى كل بيت يردد ” البيت الخالي من زيت الزيتون بيت خرب، حتى أن البيت الغزاوي قد يكتفي بالزيت والطحين فهما الماء والحياة، بهما يستطيع العيش.