ينشر موقع بالعربي الإخباري كلمة فيليب لازاريني المفوض العام للأونروا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
السيد الرئيس،
أصحاب السعادة،
أتواجد هنا اليوم لأن الأونروا – وكالة الأمم المتحدة للاجئي فلسطين – وصلت إلى نقطة الانهيار.
فبعد مرور 75 عاما على إنشائها من قبل هذه الجمعية كهيئة أممية مؤقتة ريثما يتم التوصل إلى حل سياسي عادل لقضية فلسطين، أصبحت قدرة الوكالة على الوفاء بولايتها مهددة بشكل خطير.
إن تحرككم العاجل ضروري لتسهيل التوصل إلى حل سياسي من شأنه أن يحقق السلام للفلسطينيين والإسرائيليين، وأن يسمح للوكالة بخوض المرحلة الانتقالية، ولكن فقط ضمن هذا السياق وحده.
وفي غضون ذلك، يجب إيجاد حل للأزمة المالية التي تتعرض لها الأونروا حتى تتمكن من مواصلة عملياتها المنقذة للحياة.
بتاريخ 26 كانون الثاني / يناير، أصدرت محكمة العدل الدولية أمرا ملزما قانونا ينص على اتخاذ تدابير مؤقتة تتعلق بالفلسطينيين في غزة.
ويطلب هذا الأمر من دولة إسرائيل اتخاذ جميع التدابير التي في وسعها لمنع ارتكاب أعمال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية.
ويشمل ذلك تمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية المطلوبة بشكل عاجل.
وقد صدر هذا الأمر في سياق حرب قتل فيها في غضون خمسة أشهر فقط، أكبر عدد من الأطفال، ومن الصحفيين، ومن العاملين في المجال الطبي، ومن موظفي الأمم المتحدة، أكثر من أي مكان في العالم خلال أي نزاع.
أن عدد القتلى في غزة صاعق. تفيد التقارير بمقتل أكثر من 30,000 فلسطيني في 150 يوما فقط.
هذا يعني أن 5٪ من السكان ماتوا، أو أصيبوا، أو فقدوا.
من المستحيل وصف المعاناة في غزة بشكل كاف.
يقوم الأطباء ببتر أطراف الأطفال المصابين دون مخدر.
ينتشر الجوع في كل مكان، وتلوح في الأفق مجاعة من صنع الإنسان.
قُتل أكثر من 100 شخص قبل بضعة أيام بينما كانوا يبحثون بيأس عن الطعام.
يموت الأطفال، الذين يبلغون من العمر بضعة أشهر فقط، بسبب سوء التغذية والجفاف.
إنني ارتجف بمجرد التفكير بما قد يتكشف من فظائع حدثت في هذا الشريط الضيق من الأرض.
ماذا سيكون مصير ما يقارب ثلاثمائة الف شخص من سكان غزة المعزولين في الشمال، وقد قطعت عنهم إمدادات الإغاثة الإنسانية؟
كم من الناس ما زالوا مدفونين تحت الأنقاض في جميع أنحاء قطاع غزة؟
وماذا سيحدث لنحو 17,000 من الأطفال الذين أصبحوا يتامى، والذين تم التخلي عنهم في مكان تزداد فيه الخطورة وانعدام القانون؟
وفي الوقت ذاته، يبدو أن الهجوم على رفح، والتي يكتظ فيها ما يقدر بنحو 1.4 مليون نازح، قد أصبح وشيكا.
ليس هناك من مكان آمن يذهبون إليه.
وعلى الرغم من كل الفظائع التي عاشها سكان غزة – والتي شاهدناها – فربما ينتظرهم ما هو أسوأ مما مضى.
السيد الرئيس،
بتاريخ 18 كانون الثاني/يناير، أي قبل أسبوع من صدور حكم محكمة العدل الدولية، أبلغتني السلطات الإسرائيلية بأن 12 موظفا من أصل 30,000 موظف في الأونروا يزعم بأنهم تورطوا في الهجمات المروعة التي وقعت في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
ولم تقدم لي أي معلومات إضافية منذ ذلك اليوم، لكن خطورة الادعاءات استلزمت اتخاذ إجراء سريع حيث أنهيت عقود الموظفين المعنيين بما يخدم مصلحة الوكالة.
وبالتوازي مع ذلك، شرع مكتب خدمات الرقابة الداخلية في إجراء تحقيق مستقل لإثبات الحقائق، وما زال التحقيق جاريا.
وبشكل منفصل، طلب الأمين العام إجراء مراجعة مستقلة لنهج الأونروا إزاء إدارة المخاطر والحياد.
وعلى الرغم من هذه الإجراءات السريعة والحاسمة، وطبيعة الادعاءات التي لا تؤيدها أسانيد، أوقفت 16 دولة تمويلها للأونروا بشكل مؤقت وبلغ مجموع التمويل المعلق 450 مليون دولار.
لا تملك الأونروا القدرة على استيعاب الصدمات المالية، خاصة في الوقت الذي تستعر فيه الحرب في غزة.
وهنا أعرب عن امتناني العميق للدول الأعضاء التي حافظت على تمويلها للوكالة أو حتى زادت تمويلها.
بفضلهم، تستطيع الأونروا، التي تشكل العمود الفقري للمساعدات الإنسانية في غزة، أن تواصل عملها وتظل شريان الحياة للاجئي فلسطين في جميع أنحاء المنطقة.
ولكن إلى متى؟
يصعب القول، ولكننا نعمل بالحد الأدنى وبالكاد نتدبر يومنا.
فبدون تمويل إضافي، سنكون متجهين صوب المجهول – مع ما يترتب على ذلك من آثار خطيرة على السلام والأمن العالميين.
إن مصير الوكالة، والملايين من الناس الذين يعتمدون عليها، معلق في مهب الريح.
أصحاب السعادة،
تواجه الأونروا حملة متعمدة ومنسقة لتقويض عملياتها وإنهائها في نهاية المطاف.
وهي تضطلع بهذه العمليات التي كلفت بها من قبل هذه الجمعية.
ينطوي جزء من هذه الحملة على إغراق المانحين بمعلومات مضللة تهدف إلى تعزيز عدم الثقة والإساءة لسمعة الوكالة.
والأكثر وضوحا كانت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي علانية أن الأونروا لن تكون جزءا من غزة في مرحلة ما بعد الحرب.
ويجري تنفيذ هذه الخطة بالفعل مع تدمير البنية التحتية للأونروا في جميع أنحاء قطاع غزة.
وفي الضفة الغربية، تؤثر القيود المفروضة على التنقل ومنع موظفي الأونروا المحليين من دخول القدس الشرقية على كل جانب من جوانب خدماتنا.
وتجري محاولات لطرد الأونروا من مقرها في القدس الشرقية، ومن كلية تدريب مهني للشباب من لاجئي فلسطين والمجاورة لمقر الوكالة.
كما أن هناك مشروع قانون في الكنيست الإسرائيلي يهدف إلى فرض الحظر التام على أي نشاط للأونروا على أراض إسرائيلية.
السيد الرئيس،
تكتسب الدعوات إلى تفكيك الأونروا زخماً بين أولئك الذين يبحثون بنشاط عن بدائل خارج الولاية المنصوص عليها في قرار رقم 302 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
إن المحادثات حول تسليم عمليات الأونروا بأكملها، خاصة خلال الأزمة الإنسانية غير المسبوقة في غزة، تعزز ضمنيا الاعتقاد بأنه يمكن تفكيك الوكالة دون المساس بحقوق الفلسطينيين.
واسمحوا لي أن أشدد على ما هو على المحك إذا لم يتخذ أي إجراء ذي مغزى لتصحيح المسار الكارثي الذي نسير فيه.
على المدى القصير، سوف تنهار الاستجابة الإنسانية بأكملها في غزة.
وسيصبح من المستحيل تنفيذ أمر محكمة العدل الدولية وقرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى زيادة المعونة الإنسانية.
ستكون المعاناة الإنسانية الناتجة جسيمة.
يمكن تلبية الاحتياجات الإنسانية في معظم حالات النزاع من خلال مجموعة متنوعة من الهيئات والكيانات المتخصصة.
ولكن في غزة، فإن الأونروا تحظى بمكانة بارزة للغاية لدرجة أن جميع الشركاء سيستمرون في الاعتماد على موظفينا المتمرسين.
كما أنها مسألة مختلفة تماما أن تقدم خدمات شبيهة بالخدمات العامة على نطاق واسع خلال الفترة الانتقالية والتي حتما ستكون طويلة ومروعة من وقف إطلاق النار إلى “اليوم التالي” في غزة.
ولن تستثمر الحكومات في إعادة الإعمار في غياب مسار سياسي واضح وتدابير محددة زمنيا.
الأونروا وحدها هي التي تملك الحضور والقدرة على تقديم الخدمات، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية الأولية على نطاق واسع، في غياب سلطة حكومية كاملة.
إن مسألة توفير التعليم لنصف مليون طفل أصيبوا بصدمات نفسية عميقة ويعيشون وسط الأنقاض غائبة بشكل واضح عن المناقشات المتعلقة بتسليم توفير الخدمات في غزة.
إن تفكيك الأونروا لهي مسألة تتسم بقصر النظر.
فمن خلال تنفيذ ذلك، فإننا نضحي بجيل كامل من الأطفال، ونزرع بذور الكراهية والاستياء والصراع في المستقبل.
إن الفكرة القائلة بأن الوكالة يمكن تفكيكها دون انتهاك مجموعة من حقوق الإنسان وتعريض السلم والأمن الدوليين للخطر هي فكرة ساذجة في أحسن الأحوال.
لقد كلفت الجمعية العامة الأونروا بالمهمة شبه المستحيلة المتمثلة في تقديم خدمات عامة عالية الجودة ومنخفضة التكلفة للاجئي فلسطين بدلا من دولة.
تقوم الأونروا بذلك في منطقة تخضع للاحتلال العسكري، وتحكمها جهة مسلحة محلية متسلطة، وسط نزاع مسلح، وذلك باستخدام 13,000 شخص وظفوا محليا في غزة.
وعلى الرغم من هذا السياق الذي يتعذر احتماله، تبذل الأونروا جهودا كبيرة للتمسك بالحياد.
وحتى مع تدهور سياقها العملياتي وتضاؤل مواردها، فقد واصلت الوكالة الاضطلاع بولايتها.
السيد الرئيس،
إن الدعوات المتكررة من جانب حكومة إسرائيل للقضاء على الوكالة لا تتعلق بالحياد.
فالقصد من الحملة ضد الأونروا هو تغيير المعايير السياسية القائمة منذ أمد بعيد لتحقيق السلام في الأرض الفلسطينية المحتلة التي حددتها الجمعية العامة ومجلس الأمن، دون استشارة أي من هاتين الهيئتين.
تسعى الهجمات ضد الأونروا إلى القضاء على دورها في حماية حقوق لاجئي فلسطين وبصفتها شاهد على محنتهم.
وقد سلط الضوء على هذا الدور من خلال الاعتماد على المعلومات التي تشاركها الأونروا في المذكرات الخطية والشفوية المعروضة على محكمة العدل الدولية، وكذلك الحكم المؤقت للمحكمة، مع ما قابلها من زيادة في الهجمات ضد الوكالة.
تجسد ولاية الأونروا الوعد بحل سياسي عادل ودائم.
إن تفكيك الوكالة في غزة، والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، لن يخدم سوى أولئك الذين يعارضون مثل هذا الحل.
سيشعر لاجئو فلسطين بعد 75 عاما من النكبة بأن المجتمع الدولي يتخلى عنهم مرة أخرى.
السيد الرئيس،
أصحاب السعادة،
ختاماً فإنني لا أدافع عن استمرار وجود الأونروا إلى الأبد.
كان من المفترض دائما أن تكون الوكالة مؤقتة.
وأنها لوصمة عار على ضميرنا الجماعي أن الأونروا ملأت على مدى 75 عاما فراغا كان سببه الافتقار إلى حل سياسي وسلام حقيقي.
وأود أن أطرح ثلاث طلبات على هذه الجمعية اليوم:
– أولا، أطلب أن تلتزم الدول الأعضاء بتيسير عملية سياسية طال انتظارها تتوج بحل يمكن أن يحقق السلام للفلسطينيين والإسرائيليين، وأن ترسم مسار انتقال الأونروا في هذا السياق فقط.
– ثانيا، وعلى المدى القريب – وبالنظر إلى المخاطر الهائلة في غزة والمنطقة بأسرها، فإنني أناشد الجمعية العامة أن تضمن حصول الوكالة على الدعم الذي تحتاجه من الدول الأعضاء المعنيين حتى تتمكن من الاستمرار بعملياتها وسد الفجوة بين ولاية الأونروا ونموذج التمويل. لا يمكن للوكالة أن تفي بالولاية التي أناطتها بها هذه الجمعية دون مضاهاة ذلك بالتمويل المقدم من أعضائها.
– أخيرا، أحث تلك الدول الأعضاء التي تبحث عن بدائل للأونروا على أن يكون ذلك بطريقة لا تمس بحق لاجئي فلسطين في تقرير المصير وبحق تطلعاتهم إلى حل عادل ودائم لمحنتهم.
لقد أظهرت لنا السنوات الـ 75 الماضية أن الحروب ستتكرر بدون حل سياسي، وستعاني أجيال من الفلسطينيين والإسرائيليين.
لقد مكن المجتمع الدولي هذه الحلقة المفرغة بفشله في تحقيق السلام لعقود.
وهذه الحالة لا يمكن أن تستمر.
شكرا لكم جميعا.