يعتبر قصر البارون إمبان معلما أساسيا بحي مصر الجديدة وفي عام١٩٩٣م تم تصنيف القصر رسميا كمعلم أثري، وقد تم ترميم القصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي وتم افتتاحه في ٢٩ يونيو عام ٢٠٢٠م، بحضور الرئيس ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الآثار وقتها خالد العناني، وأصبح معلما سياحيا وافتتح أمام الزوار ويقع القصر على الطريق المؤدي إلى مطار القاهرة الدولي بشارع العروبة ويمكن الوصول له من خلال المواصلات العامة أو مترو أنفاق محطة كلية البنات، وفي هذا المقال نستعرض قصة بناء القصر وأشهر حكاياته.
نبذة عن البارون إمبان
البارون إمبان هو المهندس إدوارد لويس جوزيف بلجيكي النشأة ولد في يوم ٢٠ سبتمبر عام ١٨٥٢م، كان مولعا بالآثار المصرية ورجل أعمال شهير، والدته هي كاثرين إمبان، وكان والده فرانسوا جوليان إمبان يعمل مدرسا.
بدأ حياته العملية رساما بإحدى شركات التعدين ونجح في بناء السكك الحديدية في فرنسا وأنشأ مترو باريس، وفي عام ١٨٨١ أسس بنكه الخاص (banque empain) إيمانا منه بأهمية وجود البنوك في الخطط الصناعية، وتحول هذا البنك فيما بعد إلى البنك الصناعي البلجيكي.
ثم توسع عمله فقامت شركته ببناء خطوط ترام في أوروبا والصين والكونغو والقاهرة، وكانت تلك الخطوط تعمل بالكهرباء فلذلك قام بإنشاء شركات كهرباء لتشغيل مشاريعه دون الاعتماد على أحد.
وقد حصل على لقب البارون من ليوبولد الثاني ملك بلجيكا تكريما للإنجازات التي قام بها، وتوفي البارون إمبان في بلجيكا في مدينة ولويه (woluwe) ودُفِنَ في كنيسة بازيليك بمصر كما جاء في وصيته.
قصة بناء القصر
وصل البارون إمبان مصر في يناير عام ١٩٠٤م وكان آتيا من الهند، وذلك بهدف إنشاء خط سكة حديد يربط مدينة المنصورة بالمطرية ضمن أحد المشاريع التي تنفذها شركته، وقد حصلت شركته قبلها على امتياز بناء أول شبكة عامة للترام بالقاهرة، هذا الامتياز جعله يتحمس لبناء مدينة هليوبوليس ( مصر الجديدة ) وهذا الاسم يعني باليونانية مدينة الشمس.
وقد تصور البارون إمبان مدينة هليوبوليس حدائق خصبة في منتصف أرض قاحلة، وقد اشترى ٢٥٠٠ هكتار في الصحراء لبناء هليوبوليس من نوبار باشا نجل أول رئيس وزراء لمصر.
وفي عام ١٩٠٨م تم البدء في بناء مدينة هليوبوليس على بعد ١٠ كيلو مترات من وسط القاهرة، وتحتوي على كافة سبل الراحة من مرافق المياه والكهرباء والصرف الصحي، وفندق هليوبوليس بالاس الشهير.
وتم بناء قصر البارون إمبان بمدينة هليوبوليس في ١٩١١م بحضور السلطان حسين كامل ، فقد كان البارون إمبان يسعى لقضاء حياته بمصر بسبب حبه الشديد لها، وإعجابه بحضارتها في ذلك الوقت، وكان تصميم القصر مستوحى من معابد أوديشا الهندوسية ومعبد انغكور وات في كمبوديا وهو واحد من أهم المواقع الآثرية في شرق آسيا كما صنفته منظمة اليونسكو.
تصميم القصر
استغرق البناء نحو خمس سنوات وكان تصميم القصر للمهندس المعماري الفرنسي السكندر مارسيل، وقد عرض التصميم في معرض باريس العالمي في عام ١٩٠٠م، وقد رآه البارون وقام بشرائه من المهندس مارسيل وعاد به إلى القاهرة وسلمه للمهندسين الإيطاليين والبلجيكيين للشروع في بناء القصر في عام ١٩٠٧م.
وأما ديكورات وزخرفة القصر فكانت للرسام جورج لويس كلود، ولون القصر البني المحروق ( السيينا) الذي يضفي عليه جمالا وفخامة، وظل القصر تحت ملكية وتصرف البارون إمبان حتى وفاته، وكان القصر ضمن تخف القاهرة الجديدة التي بنيت على طراز غربي في عهد الخديوي إسماعيل.
ملكية القصر
كان القصر تحت ملكية ابن البارون إمبان “جان” الذي توفى عام ١٩٤٦م ودفن بجوار والده في كنيسة بازيليك، وانتقلت ملكية القصر بعدها إلى أحفاد البارون إمبان وتعرض القصر في ذلك الوقت إلى إهمال شديد.
تم بيع القصر في عام ١٩٥٤م إلى ثلاثة أشخاص من خلال مزاد علني بمبلغ قدره ١٦٠ ألف جنيه مصري، حتى عام ٢٠٠٥م حيث قامت وزارة الإسكان بشراء القصر من مالكيه مقابل قطعة أرض بالقاهرة الجديدة تساوي قيمة القصر وقتها ٢١,٥ دولار أمريكي ما يعادل ١٢٥ مليون جنيه مصري.
تكوين القصر
يتألف القصر من ثلاثة طوابق ومصعد يربط بينهم، يضم الطابق الأرضي صالة وثلاث غرف الغرفة الأولى للضيافة والثانية للمائدة بها رسوم لأشهر الفنانين مثل ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو وتماثيل هندية، والغرفة الثالثة مخصصة للعب البلياردو.
يتكون الطابق الأول من صالة كبيرة وأربع غرف للنوم، وتصل إلى هذا الطابق عن طريق السلم الرخامي المزين بالتماثيل الهندية الصغيرة، وأرضية الطابق الأول من الباركيه، ولكل غرفة شرفة خاصة وحمام خاص مكسو ببلاط من الفسيفساء الملونة.
أما عن سطح القصر أو البانوراما فهو أشبه بالمنتزه، وكان المكان المفضل للبارون إمبان لتناول الشاي وقت الغروب ولإقامة الحفلات، أما الطابق فهو خاص بالمطبخ ومكان لإقامة الخدم ومكان لركن السيارات.
يحتوي القصر على الزجاج البلجيكي البلوري الذي يُمَكِن من بداخل القصر أن يرى الخارج، وينتشر العاج داخل القصر وخارجه، ويضم القصر تحف وتماثيل نادرة وقوالب زخرفية من الأساطير الهندوسية، وسجاد القصر مصنوع في تركيا، وبالفناء حديقة بها زهور ونباتات.
ومن مميزات القصر أن الشمس لا تغيب عن أي جزء منه حيث صمم بحيث توجد الشمس في كل جهاته وغرفه، ويوجد بالحديقة عربة للترام الذي كان يستعمل في مصر الجديدة علامة على أن البارون إمبان هو أول من أدخل الترام في مصر، وساعة فريدة على شكل دائري مقسومة إلى نصفين النصف الأبيض يرمز إلى ساعات النهار، والنصف الأسود يرمز إلى ساعات المساء، وكانت هذه الساعة تصنع خصيصاً لعلية القوم في أوروبا.
روايات حول القصر
وبسبب إهمال القصر لسنوات عديدة انتشرت الخرافات والأساطير حول القصر منها أصوات الصراخ التي تخرج من القصر ليلاً التي نسبها البعض إلى صوت البارون وشقيقته التي ماتت في القصر، وأن سبب ذلك لعنة غرفة البارون إمبان وردية اللون التي كان يمارس فيها الطقوس السحرية كما زعم البعض، وكانت محرمة الدخول لأي شخص غير البارون، ويروى أن جدرانها أصبحت ملطخة بالدماء بعد وفاة البارون.
وأيضاً يروى أن نيرانا اشتعلت بالبرج الرئيسي بالقصر عام ١٩٨٢م، وامتلأ القصر بالدخان الكثيف الذي توقف دون تدخل أحد، واختفاء نفق كان يوصل القصر بالكنيسة، وأيضا اختفاء برج الاتصالات اللاسلكية، لكن كل هذه الروايات لا يوجد عليها دليل وقد تكون مجرد إشاعات بسبب إهمال القصر سنين طوال.