يعتبر الجامع الأزهر مقصدا لكل المسلمين في شتى بقاع العالم، الجامع الأزهر الذي بناه جوهر الصقلي الفاطمي لتدريس المذهب الشيعي هو اليوم أكبر منارة للمذهب السني، ومن ذلك الوقت حتى يومنا هذا كان الأزهر شاهدا على العصور، لكن لا يعرف كثير من المحبين للأزهر أنه أغلق لمدة تقارب من مائة عام وكان السبب في ذلك القائد صلاح الدين الأيوبي.
صلاح الدين الأيوبي والشيعة
كان صلاح الدين الأيوبي معادييا للمذهب الشيعي الذي طرحه الفاطمييون وبدأوا نشره في أروقة الجامع الأزهر، وعندما أطاح صلاح الدين الأيوبي بهم عام ٥٨٩ هجريا وبآخر خلفائهم الخليفة العاضد، قرر صلاح الدين الأيوبي تحويل البلاد إلى المذهب السني بدلا من المذهب الشيعي، وأمر بإحراق كتبهم وإلغاء الأعياد المذهبية لهم، وبالإضافة إلى ذلك مُنِعَت الصلاة في الجامع الأزهر بأمر من القاضي صدر الدين بن درباس الذي عُين من قِبَل صلاح الدين الأيوبي، وجرد الأزهر من مكانته من جامع أي يقام فيه صلاح الجمعة ومركزا للدولة إلى أطلال.
مدينة واحدة وخطبتان
كل ذلك كان للقضاء على المذهب الشيعي الذي كان يُدرس فيه أو بسبب عدم الثقة في مؤسسة شيعية سابقة للدولة الجديدة التي تنتهج المذهب السني، كما أن المذهب الشافعي يحرم الصلاة في بلد واحد يقام فيه أكثر من خطبة، فلم يكن الجامع الأزهر وحده الذي تقام فيه خطبة فكان هناك جامع أحمد بن طولون، وجامع عمرو بن العاص، وجامع الحاكم بأمر الله.
صلاح الدين والمذهب الشيعي
وألغيت أصول المذهب الشيعي في العبادات ومنها إعادة صيغة “حي على الفلاح” في الآذان بدلا من صيغة “حي على خير العمل” على المذهب الشيعي، وأمر بإعادة صلاة الضحى والتراويح لأن الشيعة يعتبرونها بدعتان، والجهر بالبسملة في الصلاة على عكس الشيعة، وحذف نقش على العملة المتداولة وقتها نصه”علي ولي الله”، وترك المجال لكل من كان يشكك في نسب الفاطميين لآل البيت كما كانوا يزعمون.
تدهور حال الأزهر
وأمر صلاح الدين الأيوبي أيضا برفع شريط فضة عليه أسماء الخلفاء الفاطميين كان موجودا في محراب المسجد، ونتيجة لذلك فقد تدهور حال الأساتذة الذين نبغوا وازدهروا في عهد الفاطميين حتى أنهم بحثوا عن سبل عيش أخرى غير التدريس، وقد أهملت المكتبة ومركز التدريس بالجامع، ودمُرت المخطوطات والمؤلفات التي وضعها الفاطميون، وسحب التمويل الخاص بالطلاب الذين يتعلمون في الجامع، ومنع دروس الفقة التي كانت تدرس في الجامع.
تدريس المذهب السني
وفي المقابل تم تدريس المذهب السني في مدارس كثيرة في أنحاء القاهرة أنشئت لهذا الغرض، مثل المدرسة القمحية لتدريس المذهب المالكي، والمدرسة السوفية لتدريس المذهب الحنفي، والمدرسة الناصرية لتدريس المذهب الشافعي، وأقام صلاح الدين الأيوبي باسمه “مدرسة الصلاحية”.
عودة الحياة للأزهر
ومع ذلك لم يترك “صلاح الدين ” صيانة الجامع الأزهر مطلقا فقد قام أمر بترميم إحدى مآذن الجامع، وظل الأزهر مجرد مكان للدراسة غير المنتظمة حتى أتى الظاهر بيبرس المملوكي في ٦٧٢ هجريا وأعاد تشغيل الجامع الأزهر على المذهب السني الذي كان موجودا في ذلك الوقت، وأُعيدت رواتب الطلاب والمعلمين، وبدأ في إصلاح الجامع وتم توفير حصير جديد وأنشيء منبر جديد للخطبة قبل أول خطبة بخمسة أيام، وكانت بينها وبين الخطبة الفاطمية ما يقارب مئة عام، ومنذ ذلك الوقت والجامع الأزهر مؤسسة دعوية سنية.