يتفاخر البعض منا بحسبه ونسبه وبآبائه وقبيلته وعشيرته ، غطرسة وكبرا على الآخرين ، فقد قيل ليسيتفاخر الفتي من قال : كان ابي ، ولكن الفتى من قال : هاانا ذا ، عندما يتكيء المرء منا على اعتقاده الجازم ان الشرف بالنفس لا بآلاباء ، لمن بنى نفسه بكده وكفاحه واجتهاده ، وقبل هذا وذاك بتوفيق من الله وحسن تربيته وتنشأته ، كرجل عصامي لا عظامي .
الناقد السعودي أحمد طيب منشي يكتب: رحلة هشام قنديل في عالم الفن التشكيلي
وقد يتطلب ذلك امتلاكه لشخصية ذات كارزما جاذبة ساحرة مقنعة بضم الميم وتسكين القاف ، وليست مقنعة بضم الميم و بفتح القاف ، وهي هبة من الله ، تجعله مفضلا عن الآخرين ، للحيوية التي يتمتع به ، والتفاني في خدمة الآخرين دون من أو أذى ، والتي تتسم بطيبة القلب وطاهرة النفس دون اتباع الهوى ، وبنقاء السريرة .
بهذه العبارات البسيطة المتواضعة اتشرف بتقديم ، احد قامات النقد وإدارة الفعاليات الثقافية والتشكيلية الاستثمار الفتي ، لأكثر من نصف قرن ، في رحاب الارض الطاهرة المملكة العربية السعودية ، ممن تعايش مع الحراك الثقافي والفني ، وساهم بوافر من العطاء لخدمة الفن والفنانين ، على مستوى المملكة والعالم العربي ، بكل حب ونقاء .. بدأ من نقطة الصفر .. وبكفاحه وعزيمته القوية ، حصد ما غرسه بالأمس ، فنال محبة الآخرين ، ومكانة اجتماعية وثقافية راقية .
هشام قنديل من مواليد قرية ( رملة الانجب ) بمحافظة المنوفية عام ١٩٥٦م ، لأسرة ذات اهتمام بالادب والثقافة ، كان والده شاعرا الا أن تجربته الشعرية لم تكتمل حسب قوله ، وقد خلف والده مكتبة تضم أمهات الكتب القيمة والنادرة ، استفاد منها ابنائه وبناته بشكل فعلي ، كان أستاذا للشاعر العربي محمد عفيفي مطر، احد رواد الشعر الحديث في العالم العربي .
ارتبطت بدايات هشام قنديل بعالم الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية خلال نهاية الثمانينات من خلال عمله بالمركز السعودي للفنون التشكيلية بجدة عام ١٩٨٨، ثم التحق ببيت الفنانين التشكيليين عام ١٩٩٣م بجدة بالمنطقة التاريخية ، الذي قام بتأسيس بعض رجال الاعمال بمدينة جدة ، وعلى رأسهم دكتور محمد سعيد فارسي ، امين مدينة جدة في تلك الفترة ، الذي قام بإهداء احد البيوت القديمة الخاضعة لملكيته الخاصة ، ليكون مقرا للبيت ، وكان دور هشام دورا فاعلا ، فقد كان رمانة الكادر الاداري للبيت ، لوضع استراتيجيته المستقبلية، من حيث الفعاليات من مسابقات ومعارض وامسيات فكرية ثقافية. ومن ضمن افرازات ونشاط هشام قنديل ، التفكير في اقامة صالة خاصة بالفنون التشكيلية للبيت تحت مسمى صالة بيت الفنانين التشكيليين.
ارتبط هعشام قنديل بعلاقة قوية مع الفنان الراحل : فهد الحجيلان ، وكان من الفنانين المتميزين والمتفردين بالساحة التشكيلية في المملكة العربية السعودية ، وعلى المستوى والاقليمي والعربي ، وصاحب تجربة فنية ناضجة. والذي قرر مغادرة الرياض، الى مدينة جدة التي كانت تعد قبلة للفن التشكيلي، وعند وصول الفنان الحجيلان، مدينة جدة واستقر بها، كان على موعد مع الناقد هشام قنديل، الذي آمن بتجربته الجادة، مؤكدا انه من ابرز الفنان السعوديين، فقام بدعمه ومؤازته تخفيفا لمعاناته، ليس تعاطفا او شفقة عليه، وانما احتراما له ولفنه، من باب الوقوف مع كل صاحب تجربة ناضجة صادقة مثرية على المستوى المحلي والاقليمي، وبذلك عادت الروح وحالة الشغف الذي كان يحملها الفنان الحجيلان، مفجرا البركان الخامد الذي كان بداخله كهاجس وعشق للفن التشكيلي.
ضرب هشام قنديل الرقم القياسي بالاشراف على اقامة المعارض الجماعية والثنائية والفردية ، تجاوزت الالف معرضا. واسهم بنصيب وافر في الاشراف على فعاليات فكرية ثقافية. وقام بتنظيم العديد من المعارض الفردية لنخبة من الفنانين السعوديين و العرب اصحاب التجارب الناضجة على سبيل المثال لا الحصر ، معرض لكل من : ( عبدالحليم رضوي، محمد السليم، بكر شيخون، طه صبان، عبدالرحمن السليمان ، عبدالله حماس ، فهد الحجيلان ، عبدالله ادريس، من السعودية، والفنانين العرب أبرزهم عمر النجدي، احمد نوار، فرغلي عبدالحفيظ، مصطفي يحي، محمد عبله، عادل ثروت، عبدالوهاب عبدالمحسن، صلاح المليجي، حمدي ابو المعاطي، طارق الكومي، عمران القيسي، صادق طعمة، مصطفى الحلاج، فارس ملاعب، والقائمة تطول.
كما تبنى هشام قنديل تنظيم معرض البعد الثالث، مع نخبة من الفنانين العرب، بصالة البعد الثالث بجدة . واشرف على العديد من المعارض التي تهتم بالمواهب الفنية وتقديمهم للساحة الفنية والتي من اهمها معرض اللوحة الصغيرة، والواعدات، ولوحة في كل بيت.
بعد ان قضى قنديل اكثر من ثلاثة عقود بالمملكة العربية السعودية، عاد الى موطنه الاصيل مصر، بخيرات متراكمة، نتيجة لادارته لصالات العرض وتسويق الاعمال. عاد حسب قوله ليرد الدين الى وطنه، الذي وصفه كالام التي لا يمكن الوفاء لها مهما فعل، ولكن اصله الطيب ونشأته وتربيته، جعلته يحمل هم ذلك الدين لاكثر من ثلاثة عقود، ويحاول ان يرد جزء منه، انه الوفاء في ابهى صورها واجلها.
ومن اجل ذلك سارع قنديل في انشاء العديد من الجاليريهات التشكيلية، التي يتطلع الى انشاؤها في محافظة وقرية، مساهمة منه، للارتقاء بمستوى الاداء الفني، الذي يتمتع بها ابناء مصر وخاصة الموهوبين. حيث تزخر مصر بالمواهب الابداعية ، التي تحتاج الى بيئة محفزة للاستمرارية في العطاء ، وهذا الدور ليس للتنافس مع وزارة الثقافة او الآخرين، ولكن باب التكامل في البحث عن افضل الطرق لخدمة الوطن والفن والفنانين بشكل اكثر ايجابية، حيث يشمل فعلا مكملا ومساندا لدور الآخرين الذين يتشارك معهم في التطلعات والاهداف المشتركة.
خلال مسيرته نال هشام قنديل كثير من جوائز التكريم منها تكريم الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بجدة ، وحصوله على الوسام الذهبي بقصر الفنون من وزارة الثفافة، وتكريم خاص من قبل المهندس ورجل الاعمال السعودي لؤي حكيم، وتكريم من قبل الشيخة د. سعاد الصباح بالكويت.
واخيرا .. هذا ما جادت به نفسي للكتابة عن رجل عصامي حفر اسمه في الصخر، ليحجز موقعا مرموقا في خارطة الفن والاستثمار في المجال الفني بكل احترافيه واقتدار كمجهود متواضع اتمنى ان يليق به كقامة ومقاما.