يعد الشيخ الشعراوي أشهر مفسري القرآن الكريم في القرن الماضي، وذلك بسبب طريقة تفسيره التي تتناسب مع كل فئات المجتمع، فاستطاع أن يصل العمال والفلاحين والموظفين والكُتَّاب.
ولا نبالغ إن قلنا إنه حظي بقبول كل الشرائح والعقليات، ولعل حديث ما روي عن ابي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها” ( أبو داوود في سننه)، منطبق تماما على فضيلة الشيخ الشعراوي والتجديد ليس بمعنى نزع التراث ووضع أحكام جديدة، بل تذكير بما نُسِي وتصحيح السلوكيات والأخلاق التي انحرفت على مقتضى الشريعة.
وكان برنامج الشيخ الشعراوي في تفسير القرآن الكريم وما زال علامة مميزة لشهر رمضان ولفترة ما قبل آذان المغرب هيا بنا نلمس لمحة بسيطة من حياة الشيخ الشعراوي.
نشأته
ولد محمد متولي الشعراوي في قرية دقادوس بمحافظة الدقهلية في يوم الخامس عشر من إبريل عام ١٩١١م، لأسرة بسيطة لم تكن تعلم أن ابنها سيكون علم من أعلام عصره، فقد حفظ ” محمد” القرآن الكريم كاملاً في سن صغيرة وهو في الحادية عشرة من عمره.
حبه للشعر
وظهر نبوغه في مراحل التعليم كلها وحصل على الشهادة الابتدائية عام ١٩٢٢م من معهد الزقازيق الابتدائي الأزهري وأكمل تعليمه في المعهد الثانوي، وبتشجيع من والده اهتم “محمد” بحفظ الشعر والنثر حتى اختير رئيساً لجمعية الأدباء بالزقازيق ورئيسا لاتحاد الطلبة، وبعد إتمامه دراسة الثانوية الأزهرية لم يرد إكمال دراسته وأراد العمل بالزراعة مع والده، لكن والده أصر على إكمال دراسته في الأزهر.
دراسة اللغة العربية
اختار الشيخ الشعراوي بنفسه دراسة اللغة العربية وفضلها على دراسة أصول الدين والشريعة الإسلامية كما كان يريد والده، لكنه كان يرى أن اللغة العربية باب إلى كل العلوم الشرعية وكيف كان العلماء قديما يسافرون شهورا لتعلم اللغة العربية وأخذها من لسان القبائل الفصيحة، علاوة على أن الشيخ الشعراوي كان يحفظ كثيراً من الشعر العربي ولديه مَلَكَة لغوية وبلاغة.
حدث في حياة الشيخ
فاشترط على والده أن يشتري له كميات هائلة من أمهات الكتب في مجالات اللغة والتفسير والحديث تعجيزا لوالده كي يتركه يعود إلى القرية وأخبره أنها مقررة عليه، ولكن الأب فطن ذلك واشترى له كل ما طلب، وأخبره بعد ذلك أنها يعلم أنها غير مقررة وقد آثر شراءها لتزويده بالعلم فتفاجيء الشيخ وعزم على قراءتها بالكامل، وروى هذه الحكاية الشيخ الشعراوي بنفسه في حديثه مع الإعلامي طارق حبيب.
ويروي أيضاً الشيخ الشعراوي حكاية غيرت من مسار حياته عندما رأى ابنة عمه تشرب في نهار رمضان فتركها ولم يخبر أحد و ولكنه غضب منها، وعندما لاحظت أمه تغير تعامله معها سألته عن السبب فأخبرها، وضحكت الأم وأخبرته بأن البنات بعد سن البلوغ تطرأ عليهن تغييرات تسقط عنهن العبادات في أيام معينة، من وقتها وعزم الشيخ ألا يظن بأحد سوءا مرة أخرى.
والتحق “الشيخ” بكلية اللغة العربية عام ١٩٣٧ م ونال شهادة “العالمية” وإجازة التدريس عام ١٩٤٣م، بعد أن توقف عنها وأكمل دراسته عام ١٩٤٠م.
الحياة المهنية
بدأ ” الشعراوي” حياته المهنية كمدرس بالمعاهد الأزهرية في كل من طنطا والإسكندرية وبلده الزقازيق، ثم سافر إلى السعودية للتدريس في كلية الشريعة( جامعة أم القرى الآن) بمكة المكرمة عام ١٩٥٠م.
ثم عاد إلى مصر وعمل وكيلاً بمعهد طنطا الثانوي عام ١٩٦٠م، وشغل منصب مدير الدعوة الإسلامية بوزارة الأوقاف عام ١٩٦١م، ومفتشا للعلوم العربية في عام ١٩٦٢م، ثم مدير مكتب شيخ الأزهر وقتها حسن مأمون باختيار من شيخ الأزهر شخصيا عام ١٩٦٤م.
بداية تفسير القرآن الكريم
عُرِف الشيخ الشعراوي كمفسر للقرآن الكريم وداعية إسلامي عندما قدم برنامجه التلفزيوني الشهير عام ١٩٧٣م ” نور على نور” وكان هو ضيف البرنامج فسر فيه القرآن لعدة سنوات وقدم البرنامج الإعلامي ” أحمد فراج” ، وظل البرنامج ناجحا طيلة عرضه لمدة عشر سنوات.
المناصب
اختاره الرئيس محمد أنور السادات سنة ١٩٧٦م وزيرا للأوقاف وشغل المنصب حتى قدم استقالته عام ١٩٧٨م، واختير عضوا في مجمع اللغة العربية عام ١٩٨٧م، وعين قبلها عضو في مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر عام ١٩٨٠م، وعين عضو في مجلس الشورى في نفس العام.
خواطر إيمانية
لم ينقطع طيلة حياته عن تفسير القرآن الكريم حتى بعد استقالته من الوزارة قدم خواطره الشهيرة التي بثت على التلفزيون بعنوان “خواطر إيمانية” وكان يلقيها بالمساجد الشهيرة بالقاهرة مثل مسجد الحسين، وقد اختار تسميتها خواطر لأنها كانت تأتيه له خواطر في تفسير بعض الآيات القرآنية، وأن تفسير القرآن الكريم لو فسر لكان أولى به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
رحلات الشيخ
سافر ” الشعراوي ” إلى بلاد عديدة منها الجزائر سنة ١٩٦٦م، حيث كان رئيس بعثة التعريب الأزهرية، وكان هدف هذه الزيارة التخلص من آثار الاستعمار الفرنسي التي تركها في الحياة الجزائرية، فقام بوضع مناهج دراسية جديدة لتدريس اللغة العربية للأجيال الناشئة.
وفي عام ١٩٧٠م عين “الشعراوي” أستاذا زائراً بكلية الشريعة بجامعة الملك عبدالعزيز في السعودية، وبعدها رئيسا للدراسات العليا في الكلية، وحاضر الشيخ ” الشعراوي” بمقر الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، وقام بجولات دعوية في دول أوروبية عديدة.
المؤلفات والجوائز
من مؤلفات الشيخ “الشعراوي”، ” الطريق إلى الله”، ” مائة سؤال وجواب في الفقه الإسلامي”، ” الفتاوى”، ” نظرات في القرآن الكريم”، ” الإسلام والفكر المعاصر”، ” على مائدة الفكر الإسلامي”.
حصل الشيخ الشعراوي على وسام الجمهورية وجائزة الدولة التقديرية عام ١٩٨٨م، ووسام الاستحقاق عند بلوغه سن التقاعد عام ١٩٧٦م، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام ١٩٨٣م، بمناسبة العيد الألفي للأزهر.
تم تصوير قصة حياة الشيخ الشعراوي في مسلسل يحمل اسم إمام الدعاة عام ٢٠٠٣م، وبدأ العمل في تصويره بعد وفاة الشيخ بفترة بسيطة وقام بدور الشيخ الشعراوي في المسلسل الممثل “حسن يوسف” الذي كان من مريدي الشيخ وكان يحضر له جلساته تفسيره للقرآن الكريم.
للشيخ الشعراوي دور في رد الشبهات حول القرآن الكريم من المستشرقين الذين اتهموا القرآن الكريم بالباطل، ورد عليهم وأعاد السبب في ذلك إلى ضعف ملكتهم اللغوية، وكان له دور في التصدي للاحتلال الانجليزي في مصر وقت رئاسته لاتحاد الطلبة، وكان يتوجه هو وزملائه إلى الأزهر لإلقاء الخطب الحماسية ضد الاحتلال.
توفي الشيخ الشعراوي في السابع عشر من يونيو عام ١٩٩٨م، ودفن بقريته بدقادوس بعد معاناة مع المرض بنحو خمسة عشر شهراً، وفقدت الأمة أحد أهم علمائها البارزين.