مشهد الجامع والقلعة من أعلى جبل المقطم منظر باقي في ذهن كل من يمر بهذه المنطقة، وهو يرى الجامع شامخاً بقبابه ومناراته وتحده القلعة من جميع الاتجاهات، وكأن الجامع والقلعة قد ارتبطا ببعضهما منذ البداية رغم أنه تم إنشاء كل منهما في عهد مختلف، ودوما كان يحدث خلط بين نسبة كل منهما إلى القائد صلاح الدين الأيوبي والوالي محمد علي باشا فهل القلعة هي قلعة محمد علي أم قلعة صلاح الدين الأيوبي؟ وهل الجامع هو جامع صلاح الدين الأيوبي أم جامع محمد علي؟، في هذا المقال نستعرض حكاية الجامع والقلعة.
قلعة ضد الفاطميين والصلبيين
تعتبر القلعة من أهم وأفخم القلاع الحربية التي أنشئت في العصور الوسطى، وذلك بفضل موقعها الاستراتيجي لما يجعلها مكان حماية ضد أي اعتداء تتعرض له الدولة في ذلك الوقت.
في عام ٥٧٢ هـ/ ١١٧٦م رأى القائد صلاح الدين الأيوبي مؤسس الدولة الأيوبية ضرورة بناء قلعة تكون مقرًا للحكم وسكنًا للحكام وحصنًا منيعًا من المعتدين وملاذًا للجيش إذا حدث حصار، خصوصاً أن صلاح الدين الأيوبي كان يشعر بالمكائد حوله من ناحية أنصار الدولة الفاطمية التي سبقته، أو من الحملات الصليبية التي كانت تنتشر في ذلك الوقت في بلاد الشام وتسيطر على جزء كبير منها.
وهناك غرض آخر من بناء القلعة هو أن تكون رابطا بين القاهرة الفاطمية القديمة ومدينة الفسطاط التي بنيت في عهد عمرو بن العاص لأن موقعها يتوسط المنطقتين، واختار في بنائها مكانًا مرتفعًا كي يصعب هجوم الأعداء عليها، وتم الشروع في بنائها في نفس العام في المنطقة المعروفة الآن وكانت تسمى ” قبة الهواء”، وقام صلاح الدين الأيوبي بحفر بئر في القلعة بعمق ٩٠ مترا لتوفير المياه في حال حدوث حصار سمي ببئر يوسف، وكلَّف الأمير بهاء الدين قراقوش بالإشراف على بناء القلعة.
قلعة لم يراها صاحبها
لكن بناء القلعة لم ينتهِ في عهد صلاح الدين الأيوبي الذي توفي قبل إتمام البناء، بل استكمله أخوه السلطان الكامل بن العادل وانتهى من بنائها عام ٥٧٩ هـ/ ١١٨٣م وأقام فيها ومن بعده كل حكام مصر، ومنذ ذلك الوقت والقلعة تحمل اسم صلاح الدين الأيوبي الذي لم يمهله القدر كي يقيم بها ككل حكام مصر بعده، وظل اسمه لاصقا بها حتى مع اختلاف الحكام الذين نسبوها لأنفسهم.
القلعة والتاريخ
ظلت القلعة مقر حكم البلاد حتى عهد الخديوي إسماعيل في القرن التاسع عشر، حيث حول الأخير مقر الحكم إلى قصر عابدين في وسط القاهرة كي يكون قريبًا من الشعب على حد قوله، وشهدت القلعة أحداثا تاريخية هامة منها سقوط دولة المماليك وقيام الدولة العثمانية، وهجوم قوات الاحتلال البريطاني على مصر.
وأيضا شهدت القلعة أحداث الحملة الفرنسية حيث قام نابليون قائد الحملة الفرنسية عام ١٧٩٨م بأمر جنوده بخلع أبواب القلعة وهدم أبنيتها وتغيير شكل معالمها، لأنه يعلم خطورة وجودها أثناء الاشتباك مع المقاومة أو الجنود المصريين.
تحوي أسوار القلعة أبراجا عديدة يصل أعدادها إلى ١٧ برجا منها برج المطار وبرج المربع وبرج الرملة وبرج المقطم، وأُطلق على القلعة اسم “قلعة الجبل” بسبب تواجدها أعلى جبل المقطم.
قلعة صلاح الدين الأيوبي ليست الوحيدة
واسم قلعة صلاح الدين الأيوبي تكرر في أكثر من موقع حيث توجد قلعة صلاح الدين الأيوبي في سيناء بنفس الاسم وتقع عند رأس خليج العقبة بطابا، وقد قام بإنشائها صلاح الدين الأيوبي في ٥٦٧ه/ ١١٧١م بعدما أدرك أهمية موقعها أثناء مروره بالموقع في حملته على الشام.
وأيضا قلعة صلاح الدين الأيوبي في عجلون بالأردن بنيت بأمر من صلاح الدين الأيوبي على يد القائد عز الدين أسامة، وكذلك قلعة صلاح الدين الأيوبي في سوريا التي تنتمي إلى العصور الإغريقية.
القلعة ومحمد علي
وعندما تولى محمد علي باشا حكم مصر اهتم بالقلعة وقام بإصلاح الأسوار التي تهدمت بفعل هجمات الحملة الفرنسية، وأنشأ بداخلها ديواني المدارس والجهادية ومصانع للأسلحة والمدافع ودارا المحفوظات، واستمرت القلعة مقرا للحكم في عهده.
رأى محمد علي ضرورة إنشاء مسجد داخل القلعة لأنه يقضي أغلب وقته فيها وبالتالي يؤدي هو ومعاونيه الفرائض الدينية داخل المسجد، ويلحق بالمسجد مدفنا يكون مثواه الأخير، وشرع في بنائه بطراز تركي في عام ١٨٤٨م واختيرت حجارة ضخمة لتستخدم في بنائه.
مسجد ومقبرة
استمر العمل في بناء المسجد حتى وفاة محمد علي باشا عام ١٨٤٨م، ودفن في المدفن الذي أعده لنفسه في المسجد وأطلق عليه مسجد محمد علي باشا، ويطلق عليه الآن جامع محمد علي أيضا للفرق بينهما في كون أن الجامع تقام فيه صلاة الجمعة بخلاف المسجد.
وفي عهد عباس حلمي باشا تم فرش المسجد وتزويده بالنجف، وتم عمل مقصورة نحاسية لقبر محمد علي باشا داخل المسجد، ويوجد في القلعة أيضا مسجد سليمان باشا الخادم ومسجد أحمد كتخدا عزبان، ومسجد ومدرسة الناصر قلاوون.
وتضم القلعة أربعة قصور وهي قصر الجوهرة وقصر الحرم وكلاهما بني في عهد محمد علي باشا، وقصر الأبلق الذي بناه السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وأخيرا قصر سراي العدل.
ويوجد بالقلعة ثلاثة متاحف وهي: متحف النقل ويضم سيارات ملكية عديدة منذ حقبة الخديوي إسماعيل وحتى عهد الملك فاروق وبعض التحف النادرة، ومتحف قصر الجوهرة والمتحف العسكري الخاص بالجيش المصري.
هذا وقد شهدت القلعة مقتل المماليك وإراقة دمائهم في مذبحة القلعة الشهيرة عندما نوى محمد علي باشا التخلص منهم ليأمن شرهم ويطمئن على العرش وراح خلالها نحو أكثر من أربعمائة وسبعين مملوكا.
الآن يقام داخل القلعة سنويا مهرجان القلعة للموسيقى والغناء الذي يقدمه عدد كبير من نجوم مصر ويحضره كثير من المصريين، في نفس المكان الذي حدثت فيه مذبحة المماليك وكأن التاريخ يقول إن المكان مجرد شاهد على العصر.